جاءنا هذا البيان من الأشقاء في المنبر التقدمي في مملكة البحرين:
عقد المكتب السياسي للمنبر التقدمي اجتماعاً خصصه لمناقشة تطورات الوضع الدقيق الراهن الذي يعيشه وطننا، من جوانبه المختلفة. وقد خلص الاجتماع إلى التأكيد على خطورة المنزلق الذي سارت فيه الأمور في الفترة الأخيرة، من تسعيرٍ طائفي، ومن تغليب لمنطق العالجة الأمنية، بصورة ألحقت أضرار فادحة بالوحدة الوطنية وبالتعايش الأخوي بين المواطنين البحرينيين من مختلف المكونات والانحدارات الطائفية والاجتماعية، وأعادت البحرين عقوداً للوراء جراء التحريض وبث الكراهية التي إشتركت فيها للأسف الشديد الأجهزة الإعلامية الرسمية.
ان المنبر التقدمي الذي اشترك في التحرك الشعبي الذي ابتدأ في منتصف فبراير الماضي منطلقاً في ذلك من تراثه وتقاليده النضالية في الدفاع عن حقوق الشعب وفي العمل من أجل إصلاحات سياسية ودستورية جدية، كان حريصاً في بياناته ومواقفه ومداخلات قادته في اجتماعات الجمعيات السياسية والهيئات الشعبية المختلفة وفي وسائل الإعلام، على التأكيد الواضح والحازم على الوحدة الوطنية للشعب، وضرورة صونها، مبرزاً حقيقة أن الإصلاح والمشاركة الشعبية الحقيقية هي مطلب لكل أبناء الشعب البحريني من مختلف الطوائف، وحض المنبر التقدمي دائماً على الابتعاد عن أية شعارات وأهداف يمكن أن تحمل مدلولات مذهبية أو طائفية، مُبرزاً المشتركات الجامعة بين كافة مكونات شعبنا البحريني.
كما أكد المنبر التقدمي على ضرورة التمسك بأساليب الاحتجاج السلمي، وتوجيه الجهود نحو أهداف الإصلاح السياسي والدستوري، ومن أجل توفير مستلزمات بناء المملكة الدستورية التي نص عليها ميثاق العمل الوطني، بما تتطلبه من تداول سلمي للسلطة من خلال الآليات الديمقراطية، وإحداث تغيير إداري وحكومي جذري يحقق المشاركة الشعبية، ويبني أجهزة الدولة على معايير الكفاءة والنزاهة وحرمة المال العام.
وكنا نرى ان فرصة تاريخية سانحة قد نشأت في البلاد للدفع بإصلاحات سياسية ودستورية وحكومية جذرية، تحت زخم التحرك الشعبي والمتغيرات في المحيط العربي، خاصة بعد انتصار ثورتي الشعبين التونسي والمصري، والانتفاضات الشعبية في ليبيا واليمن وتنامي النضال من أجل الديمقراطية في بلدان عربية أخرى وكذلك في إيران، ولكن هذه الفرصة أعاقتها الذهنية الأمنية التي تعاملت مع المطالبات الشعبية منذ بدء انطلاقها في 14 فبراير الماضي بروح القمع والتنكيل بالمحتجين، وأدت إلى سقوط عدد من الشهداء والمئات من المصابين، وهو ما وضح من خلال استخدام العنف الدامي في مواجهة المتظاهرين وكذلك المعتصمين في دوار اللؤلؤة في اقتحامه مرتين، مع ما ترافق مع ذلك من سقوط للضحايا، وقد استتبع ذلك تجريف الدوار وإزالة كافة معالمه، في سابقةٍ لم نألفها في أي بلد آخر.
وكان للشعارات غير الواقعية التي رفعتها بعض القوى المشاركة في التحرك من قبيل إقامة الجمهورية، أثرها السلبي في دفع الأمور في البلد نحو مسارات ليست محل اتفاق، وأثارت المخاوف لدى قطاعات كبيرة من الشعب.
وقد أكد المنبر التقدمي في إطار المواقف الجماعية للجمعيات السياسية او في الاتصالات التي أجراها قادته مع الجهات المعنية على موقفه بضرورة التمسك بالمواقف التي اتفقت عليها المعارضة، وعدم دفع الأمور نحو التصعيد من خلال بعض الفعاليات أو الشعارات، فذلك يؤدي إلى إضعاف وتشتيت الجهود الموجهة نحو الإصلاح الذي كنا نرى أنه كان ممكنا وواقعياً، خاصة أمام الإرادة القوية للشباب المنخرط في التحرك وحجم التضحيات والدماء التي قدمت، كما أن هذا التصعيد خلق ظروفاً مناسبة لاستعداء بعض فئات الشعب ضد المعارضة.
وقد دفع المنبر التقدمي وبقية الجمعيات السياسية المعارضة باتجاه التواصل مع تجمع الوحدة الوطنية، وإصدار نداءات مشتركة للتخفيف من الغلواء الطائفية، كما أجرينا لقاءات عدة مع شخصيات وطنية مستقلة من مختلف التوجهات حاثين على بذل الجهود في هذا الاتجاه، ودفع الأمور في البلاد نحو خيار المعالجة السياسية القائمة على الاستجابة لمطالبات الإصلاح، ورحبنا بتوجهات سمو ولي العهد في اتجاه إطلاق حوار وطني، باعتباره الطريق الصحيح للحل المنشود، مؤكدين على ضرورة تهيئة أجواء هذا الحوار، وتوفير مستلزمات نجاحه، وكنا شركاء في الكثير من اللقاءات التي دفعت في هذه الوجهة، قبل أن تختار الدولة الخيار الأمني في التعاطي مع الوضع القائم.
إن البحرين اليوم تواجه خطرين يجب تضافر جهود جميع القوى الخيرة في سبيل درءهما، أولهما هو الشرخ الطائفي العميق الذي نشأ في البلاد، وهو شرخ لم يألفه شعب البحرين ومن مختلف الأجيال، وللأسف الشديد فان ماكنة محترفة تعمل على تغذية وبث روح الكراهية الطائفية والتعصب المذهبي وتأجيجها، بإثارة مخاوف لا أساس لها في الواقع، وتلعب أجهزة إعلامية وقوى مجتمعية وسياسية دوراً مكشوفاً في ذلك.
إن قوى لا تريد خيراً لهذا الوطن ومستقبل العيش المشترك لأبنائه وبناته على أرضه الطيبة، تعمل على تقويض الوحدة الوطنية لمجتمعنا التي بنتها أجيال من البحرينيين منذ منتصف القرن العشرين، وصانها التيار الوطني الديمقراطي وعززها في النضال المشترك لأعضائه من كافة الطوائف والانحدارات الذين وحدتهم التضحيات والأهداف الوطنية، والمنبر التقدمي مصمم، سوية مع كافة الشرفاء والغيورين على هذا الوطن ومستقبله، على بذل كل ما في وسعه من جهود لمنع التمادي في السير على هذا الطريق المدمر للجميع وبدون استثناء.
أما الخطر الثاني فهو الاستمرار في نهج المعالجة الأمنية والقمعية للوضع القائم، والذي يتخذ مظاهر الانتقام والتنكيل والاعتقالات، وهو طريق ستنتج عنه المزيد من الجراح والآلام وتأجيج الوضع وتفاقمه سياسياً وإنسانياً، وهو طريق جرى تجريبه في السابق مراراً، ولكنه لم يؤد إلى إخراج البلد من حال الأزمة، والدفع بها نحو الاستقرار، والحل الصحيح هو في العودة إلى خيار المعالجة السياسية، برغبة الاستجابة للمطالب الإصلاحية التي تلتف حولها الغالبية الساحقة من القوى السياسية والشخصيات الوطنية وقادة الرأي العام في البلاد، من أجل تمكين البلاد من السير في طريق التنمية المستقرة وتأكيد مبادئ المواطنة المتكافئة.
ان المنبر التقدمي سوية مع كل القوى المخلصة في هذا البلد سيواصل نضاله السلمي الديمقراطي في اتجاه نيل حقوق الناس وتحقيق تطلعاتها في حياة حرة كريمة، ومن اجل تهيئة أجواء حوار وطني مثمر، ووقف الممارسات المهينة للمواطنين من اعتقالات وتعديات عليهم عند الحواجز المنتشرة في مختلف المناطق، ووضع حد للسياسة الإعلامية التي تبث روح العداء وتُحرض على الكراهية.
ويدعو المنبر التقدمي كافة القوى والشخصيات المؤثرة في تكوين الرأي العام من سياسيين وإعلاميين وكتاب ورجال دين وشخصيات عامة وسواهم لمضاعفة جهودهم في مواجهة كافة الأصوات والجهات المحرضة على الكراهية الطائفية والمحبذة للمعالجات القمعية، وتشديد الدعوة للتآخي والعيش المشترك الآمن، والدفع في اتجاه بناء تدابير ثقة تخلق حواراً وطنياً مثمراً تنتج عنه توافقات قادرة على البقاء والرسوخ، في اتجاه بناء المملكة الدستورية، بمعاييرها المتوافق عليها في النظم السياسية.
المنبر التقدمي
20 مارس 2011